كان زمان في شاب لديه مال كثير ، وكان والده يعمل بتجارة الحلي والمرجان وكان الشاب لديه أصدقاء يحبهم وهم بدورهم يحبونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له...
دارت الأيام ومات الاب وفقرت العائلة ، فتذكر الشاب أيام رخائه ليبحث عن اصدقاء الماضي فعلم أن أعز صديق كان يحبه ويكرمه ، وأكثرهم مودةً وقرباً منه قد أثرى ثراء لا يوصف وأصبح من أصحاب القصور والأموال، فتوجه إليه عسى أن يجد عنده عملاً..
فلما وصل باب القصر استقبله الخدم ، فذكر لهم صلته بصاحب القصر وما كان بينهما من مودة فذهب الخدم فأخبروا صديقه بذلك فنظر إليه صديقه من خلف الستار ليرى شخصا رث الثياب عليه آثار الفقر فلم يرضى ان يقابله وقال للخدم اخبروه أن صاحب الدار لا يمكنه استقبال أحد...
خرج الرجل مستغربا وهو يتألم على الصداقة كيف ماتت وعلى القيم كيف تذهب بصاحبها بعيداً عن الوفاء وتساءل عن الضمير كيف يمكن أن يموت وكيف للمروءة أن لا تجد سبيلها في نفوس البعض..
وفي طريق العودة إلى دياره صادف ثلاثة من الرجال يبحثون عن شي ، فقال لهم ما أمر القوم، قالوا نبحث عن رجل يدعى فلان ابن فلان وذكروا اسم والده ، فقال لهم أنه أبي وقد مات منذ زمن فتأسف الرجال وذكروا أبوه بكل خير وقالوا له أن أبوك كان يتاجر بالجواهر وله عندنا قطع من المرجان كان قد تركها عندنا أمانة فاخرجوا كيساً كبيراً قد ملئ مرجاناً واعطوه ورحلوا والدهشة تعلوه وهو لا يصدق ما يرى ويسمع..
ولكنه تساءل من سيشتري المرجان فإن عملية بيعه تحتاج إلى أثرياء والناس في بلدته ليس فيهم من يملك ثمن قطعة واحدة...
مضى في طريقه وبعد برهة من الوقت صادف إمرأة كبيرة في السن عليها آثار النعمة والخير، قالت له يا بني أين أجد مجوهرات للبيع في بلدتكم، فتسمر الرجل في مكانه ليسألها عن أي نوع من المجوهرات تبحث فقالت أي أحجار كريمة رائعة الشكل ومهما كان ثمنها...
فسألها ان كان سيعجبها المرجان فقالت له نعم.. فأخرج بضع قطع من الكيس فاندهشت المرأة لما رأت فاشترت منه قطعاً ووعدته بأن تعود لتشتري المزيد وهكذا عادت حاله إلى يسر بعد عسر وعادت تجارته تنشط بشكل كبير...
فتذكر بعد سنوات صديقه الذي ما أدى حق الصداقة ولم يقابله في القصر فبعث له بيتين من الشعر ، جاء فيهما:-
(صحبت قوماً لئاماً لا وفاء لهم
يدعون بين الورى بالمكر والحيلِ
كانوا يجلونني مذ كنت رب غنى
وحين أفلست عدوني من الجهلِ)
لما قرأ صديقه هذه الأبيات كتب على ورقة ثلاثة أبيات وبعث بها إليه ، جاء فيها:-
(أما الثلاثة فقد وافوك من قبلي
ولم تكن سبباً الا من الحيلِ
وأما من ابتاعت المرجان فوالدتي
وأنت أنت أخي بل منتهى أملي
وما طردناك من بخل ومن قلل
لكن خشينا عليك وقفة الخجلِ!)