ماهى الفراسة الإيمانية
إن الفراسة الإيمانية هي نور يقذفه الله في قلب عبده المؤمن, يفرق به بين الحق والباطل، والصادق والكاذب, وكذلك الإلهام.
وهاتان الصفتان من أعظم صفات أهل الإيمان؛ لما فيها من الآثار الحميدة على العبد في الدنيا والآخرة، ولذلك حثت الشريعة الإسلامية عليهما ومدحت من اتصف بهما. فلا بد على العبد أن يعرف مقدار هذه النعمة، وأن يسأل الله الشكر على الاتصاف بهما، وأن يسيّرها فيما يرضاه ربه عز وجل.
معنى الفراسة والإلهام: ماهى الفراسة لغة واصطلاحاً:
الفراسة لغةً: بالكسر اسم من التفرس، وتفرس: تثبت ونظر). والإلهام لغةً: ألهمه الله -تعالى- خيراً : لقنه إياه. واستلهمه إياه: سأله أن يلهمه).
والفراسة اصطلاحاً: خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده، يثبت على القلب كوثوب الأسد على الفريسة. وهي تتعلق بنوع كسب وتحصيل.
والإلهام اصطلاحاً: موهبة مجردة من الله تعالى لأوليائه لا تنال بكسب البتة، وهو الهداية المستلزمة للتوفيق والاهتداء إلى الصراط المستقيم.
منزلة الفراسة والإلهام في الدين:
قال ابن القيم رحمه الله: "(ولكن الفرق الصحيح: أن الفراسة قد تتعلق بنوع كسب وتحصيل. وأما الإلهام فموهبة مجردة لا تنال بكسب البتة". وقال أيضاً: "فصل: ومن منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) منزلة الفراسة: قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر: 75]، قال ابن عباس رضي الله عنه: للناظرين.. وقال مجاهد: المتفرسين.
وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)، ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}.
وحقيقتها: أنها خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده. يثبت على القلب كوثوب الأسد على الفريسة.
وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيماناً فهو أحد فراسة.
وقال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}[الأنعام: 122].
وللفراسة سببان: أحدهما: جودة ذهن المتفرس، وحدة قلبه، وحسن فطنته. والثاني: ظهور العلاقات والأدلة على المتفرس فيه). ا.ه
وقال ابن القيم رحمه الله: "هداية التوفيق والإلهام: وهي الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا يتخلف عنها، وهي المذكورة في قوله تعالى: {فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء}[إبراهيم: 4]. وقوله تعالى: {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ}[النحل: 37]، وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص: 56]، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له)..
هاهى النصوص الواردة في الفراسة والإلهام:
قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر: 75]، وقد سبق أن مجاهد فسر المتوسمين بالمتفرسين.
وقال تعالى في حق المنافقين: {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[محمد: 30]. والمقصود معرفة المنافقين من خلال التفرس في كلامهم وما ينطوي عليه من شر، عن طريق الإشارة لا المباشرة، والتلميح لا التصريح.
وحكى القرآن الكريم قول العزيز في يوسف عليه السلام حيث قال لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}[يوسف: 21]، حيث تفرس في يوسف خيراً في مستقبل أمره..
وقول ابنة شعيب لأبيها في موسى عليه السلام: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}[القصص: 26]، لأنها رأت قوته عليه السلام في رفع الصخرة عن البئر، وأمانته في عفة بصره عن النساء. فهو لما سوى ذلك آمن وأقوى..
وقال تعالى حاكياً قول امرأة فرعون حيث قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}[القصص: 9].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم).
من الأمثلة التطبيقية من حياة الصحابة في الفراسة:
قال ابن القيم رحمه الله: (وكان الصديق رضي الله عنه أعظم الأمة فراسة، وبعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذالك الامام علي،
وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه كان صادق الفراسة، وفراسة الصحابة رضي الله عنهم أصدق الفراسة.
نسأل الله أن يشرح صدورنا لكل خير, وأن يباعدنا عن كل شر.
اللهم آمين.
(هدره بن هكه)